لا تبحث عن السعادة… دعها تجدكْ

HomeSociology

لا تبحث عن السعادة… دعها تجدكْ

هذا ما يسمى في الفلسفة والعلوم النفسية والسلوكية بـ “مفارقة السعادة”، فمهما اختلفت المقاربات حول الموضوع فإنها تتفق على ما يمكن اختصاره بالفكرة التال

 أوبئة فرنسي عن الكورونا: لا مصلحة للكورونا بقتل حامله لأنه يموت هو أيضاً
« Je me consacre entièrement à mon entreprise. Mon mari s’occupe de notre bébé ! »
مجاهدون دمويون ومقنّعون وعاريات

هذا ما يسمى في الفلسفة والعلوم النفسية والسلوكية بـ “مفارقة السعادة”، فمهما اختلفت المقاربات حول الموضوع فإنها تتفق على ما يمكن اختصاره بالفكرة التالية: أنك كلما سعيت وراء السعادة كلما هربت منك.

الموضوع ليس جديداً وهو شغل الفلاسفة منذ زمن طويل. وقد كتب الفيلسوف جون ستيوارت ميل، بعد خروجه من أزمة نفسية حادة وهو في العشرين من عمره:

“لم أغيّر يوماً من قناعتي بأن كل قواعد سلوكنا عرضة لامتحان السعادة ، وهي غاية الحياة نفسها. لكنني اعتقد اليوم أننا لن نبلغ السعادة الّا أذا توقفنا عن السعي اليها كغاية. أنهم سعداء أولئك الذين يركزّون تفكيرهم على شيء آخر غير سعادتهم، على إسعاد الآخرين والعمل لخير الجنس البشري مثلاً، أو حتى على ممارسة أي نوع من الفنون. وهم لا يعتبرون كل ذلك سبيلهم للوصول الى السعادة، بل كمثل أعلى. وإذ هم منكبون على هذا السعي، يصادفون السعادة في طريقهم.”

يعتبر زياد مرار مدير دار “سايج”، أكبر ناشر عالمي للكتب والدوريات المتخصصة في العلوم الاجتماعية والعلوم البحتة، والذي أصدر كتاباً عام ٢٠٠٨ يحمل العنوان نفسه “مفارقة السعادة”:

“في قاموس أكسفورد الإنكليزي، يعود أصل كلمة “هابينس” الى “هابن” ، أي ما يحصل بالصدفة أو بالحظ، كما حين نقول “صدفة سعيدة”.

في اللغة العربية ايضاً ، ينطوي تعبير السعادة على المعنى نفسه حيث أن جذر الكلمة هو “سعد”، كيوم السعد، أي يوم الحظ. وكذلك بالفرنسية فإن تعبير “bon-heur” يعني الساعة الطيبة أو الجيدة، كما لو أن السعادة تأتينا على حين غفلة وليست جاهزة غبّ الطلب.

الطريف بالموضوع أن الحديث عن هذه المفارقة أتى في البدء من علم الإقتصاد، وليس من تحليلات نفسية، إجتماعية أو فلسفية. فقد كان الاقتصادي ريشارد استرلين عام ١٩٧٤ أول من وضع المفهوم وأسماه “مفارقة السعادة والدخل”، إذ اعتبر أن زيادة الأجر التي هي سبباً لإسعاد من يحصلون عليها، تصبح مدعاة لشعورهم بالغبن بعد عتبة معينة، لأنهم يبدأون بملاحظة الفرق بين دخلهم والدخول الأعلى فتضمحل سعادتهم.

وكان قد تردّد في شبابه بدراسة الإقتصاد، لأن الدراسات الإقتصادية لا تهتم برأيه بالعوامل النفسية والإجتماعية. الأمر الذي تطور كثيراً بعد ذلك، وعلى الأرجح بفضله هو وفضل إقتصاديين أمثاله.

أن يكتب إقتصادي عن السعادة قبل أربعين عاماً أمر مستغرب وجريء. وقد أثار منذ البداية هجينة زملائه، وحاول العديد منهم عبثاً نقض فكرته. وقد حرصوا دائماً على استخدام تعبير “هناء العيش” بدل “السعادة”، كأن الحديث عن السعادة يمسّ بمصداقية علم الإقتصاد وجديته.

لكن إذا ما فكرنا قليلاً، فإن إهتمام الإقتصاد بموضوع السعادة ليس مستغرباً، لأن وعد الإقتصاد الحديث قائم على الفكرة نفسها التي يلحظ استرلين عيوبها: فقد جرى تحوير مفهوم “السعي وراء السعادة” إلى السعي وراء الإقتناء و الثروة و المركز الإجتماعي كسبيل لإسعاد البشر. وكأن السعادة هي بضاعة متوفرة للبشر ليغرفوا منها إذا ما دفعوا البدل الملائم، حتى قال أحد الخبثاء : ” من يقول أن المال لا يشتري السعادة، فإنه لا يعرف عنوان المتجر الذي يبيعها”.

لكن يبدو أن أغلبية البشر لم تعد تعرف عنوان ذلك المتجر، في زمن أصبحت تعيّن فيه وزارات للسعادة (آخرها في الإمارات العربية المتحدة وتديرها إمرأة). كما يوضع سلّماً معياريّاً لقياس الدول من حيث درجة سعادة أهلها وليس فقط من حيث مستوى الدخل الوطني، وهي أمور كانت لتثير عجبنا واستهزائنا قبل عشر سنوات فقط. يبدو أن شيئاً تغيّر لدى البشر في نظرتهم للحياة وفي سلم قيّمهم وفي الطريقة التي يفهمون بها سعادتهم الشخصية.

تدلّ على ذلك كثرة المنشورات حول الموضوع : فيما نشر ٢٢ مقالاً بحثياً عن السعادة بين عامي ١٩٠٠ و ١٩٣٠، فإن الرقم إرتفع الى حوالي ٣٠٠٠ مقال في العلوم الإجتماعية منذ عام ١٩٦٠، ما عدا مئات الآف المقالات التي تنتمي الى علم النفس الشعبي، وتتمحور حول نصائح حول “كيف تكون سعيداً؟” بما يشبه الوصفات الطبية، ويؤشر انتشارها كالنار في الهشيم إلى سعي البشر الحثيث لإيجاد السعادة في أيامنا.