الكورونا: لنتدبره بالعقل قبل أن يغلبنا بالجهل

HomeSociology

الكورونا: لنتدبره بالعقل قبل أن يغلبنا بالجهل

نعم، قد يؤدي الهلع إلى دفع كل من قحّ أو عطس للذهاب إلى مستشفى، أو على العكس الى ميل المصابين الفعليين إلى إخفاء الأمر خوفاً من نفور الناس منهم. وفي ا

« Je me consacre entièrement à mon entreprise. Mon mari s’occupe de notre bébé ! »
إلتقي الماما: ولائم من تحضير النساء المهاجرات في باريس 
رئيس تحرير “بلومبرغ” يحاور الروبوت الصحافي: عودة النوعية؟

نعم، قد يؤدي الهلع إلى دفع كل من قحّ أو عطس للذهاب إلى مستشفى، أو على العكس الى ميل المصابين الفعليين إلى إخفاء الأمر خوفاً من نفور الناس منهم. وفي الحالتين ينتشر المرض، ويجري تعطيل الجسم الطبي عن الاعتناء بالمصابين بالفيروس وبأمراض أخرى عديدة وأشد خطورة.

 وقد يلجأ المرضى أصلاً الى الاستنكاف عن ارتياد المستشفيات خوفاً من التقاط المرض. وهذا ما ظهر في المستشفى الحكومي في لبنان، مما يدفع الناس أيضاً لتفضيل المستشفيات الخاصة، ويحدّ من لجوء محدودي الدخل اليها في ظل ارتفاع مستويات الفقر في لبنان. 

من بين كل ما طالب به الناس الحكومة اللبنانية، لم يطلبوا منها الأمر الأهم وهو تعقّب المصابين الأوائل وتتبع تحركاتهم وبمن التقوا وأي أماكن إرتادوا أو وسائل نقل إستخدموا، ألخ. كما لم تعلن الوزارة عما فعلته بهذا الصدد، فيما هذا هو السلوك الوحيد الفعّال ضد انتشار الفيروس.

مع أن الكوفيد 19 أو الكورونا يتميز بسرعة الانتشار، الا أن نسب الموت بالفيروس ضئيلة جداً أو مماثلة لأي انفلونزا عادية، إذا ما تم اتباع إجراءات الوقاية وتحديد المرضى وعلاجهم. وتبقى المعلومة الأهم أن الذين يتمتعون بجهاز مناعة سليم هم من يتفادون الإصابة أو يشفون منها سريعاً. ولا يجب الاستخفاف بالنصائح حول الإكثار من تناول الفيتامين سي عبر الأدوية أو من مصادره الطبيعية. عدا إتباع تعليمات النظافة الأولية وخاصة غسل اليدين المتكرر.

كما لا يجب أن نصدّق من يقول لنا أنظروا ما يحدث في الدول المتحضرة. ففي دول أوروبا ردود فعل الناس والحكومات مشابهة، وتثير ضحك من يقرأها لحرفية انطباقها حتى بالتوقيت على ما يجري تداوله في بلدنا لكن بلغات مختلفة.

ولن نفخر بالطبع باليمين المتطرف في إيطاليا، الذي يحاول إلصاق انتشار الفيروس بالمهاجرين مخالفاً كل الوقائع. وفي لبنان تدلّ معاناة الشاب الصيني الذي يسكن ويدرس في البلد منذ زمن، عدم إنسانية بل جهل زملائه الذين لجأوا الى التنمير عليه وإقصائه عنهم لمجرد أنه صيني. عيب! عسى لا ينمّر الناس عليكم يوماً إذا ما ابتليتم بوباء!

ولا ننسى أن هذا النوع من التجارب هو الذي يكشف الكثير من قيم المجتمع التي لا تستند الى علم أو معرفة. مثلاً وصم فئات معينة بالأمراض دون غيرها، كما حصل مع المثيليين جنسياً لدى ظهور مرض الإيدز، لتبين الإحصاءات بعدها أن هذه القناعة خاطئة وسمحت بإهمال انتشار المرض عبر الرجال الآخرين متعددي العلاقات ونقله الى زوجاتهم. أو اعتبار أن الفقراء هم أكثر عرضة للمرض لأنهم لا يهتمون بالنظافة، وأصبح لدينا إثباتات عديدة وعالمية على هذا الخطأ الشائع.

أن كل الحكومات تتبع تعليمات منظمة الصحة العالمية التي تخاف أكثر ما تخاف من أن يؤدي الخوف اللاعقلاني إلى نتائج عكسية في محاولة مكافحة الفيروس. فتتصاعد إجراءاتها بتصاعد نسب الإنتشار. وتحتاج الدول الى جهوزية الجسم الطبي والقوى الأمنية والجيش في حال تحولت طفرة الفيروس إلى وباء، ولا يجب استنفاد قواها منذ البداية.

لم تلجأ فرنسا حتى الساعة الى إقفال عام للمدارس والجامعات برغم أن الإصابات وحالات الموت لديها هي أعلى مما هي في لبنان. وقد أتخذ إجراء الإقفال في لبنان برغم أن لجان أهل الطلاب في لبنان طلبوا التريث بالقرار. وبالفعل يؤدي ذلك الى عكس مبتغاه ويزيد من الهلع بالطبع، وقد يفسره البعض على أنه تعبير عن توقعات الوزارة بتصاعد الحالات، وهذا ما بدأ اللبنانيون التداول به فعلاً في الساعات الأخيرة. أما الأخطر هو إقفال الجامعات فيما يُفترض أن الطلاب والأساتذة لديهم الوعي الكافي للتعامل مع الوضع، والأهم أنه يمكن استخدام مراكز التعليم لنشر التوعية حول المرض.

خضعت الحكومة بهذا الإجراء للشعبوية غير العلمية ولمخاوف الناس غير العقلانية، بدل أن تتابع عملها المدروس في الحد من انتشار المرض والاستمرار في رفع الوعي العام حول مخاطره وأساليب الوقاية. ومما يثير الشكوك حول محاولتها الإستفادة من تركيز هموم الناس حول الفيروس، فينسون مطالبهم الأخرى، والأخطر أن خوفهم يمنعهم من المشاركة في التحركات الشعبية.

يبقى أخيراً أن هناك أمرين إيجابيين بالرغم من خطورة فيروس الكورونا وسرعة إنتشاره. أولاً التعاون الدولي على مكافحته بإشراف منظمة الصحة العالمية، أي استخدام كل معارف الوقاية واسهامات العلماء دولياً في المكافحة، وليس ترك البلدان تواجه ذلك وحدها، وخاصة الفقيرة منها (كما حصل مع الإيبولا).

ثانياً، وبما أن الكورونا لن يكون الفيروس الأخير الذي ينتشر عالمياً، ونحن في عصر الانفتاح والتبادل والحركات السكانية التي لم يشهد العالم مثيلاً لها من قبل، فإن مكافحة المرض حالياً من الحكومات والدول ستتيح توفير تجربة معمّقة وواسعة ولتبادل الخبرات على مستوى كوني. وستكون بلا شك مفيدة جداً لتفادي انتشار الفيروسات لاحقاً، خاصة منذ الأيام الأولى لظهورها. كما ستسمح بمراقبة ردة فعل الجسم البشري عبر خلق مضادات حيوية للفيروس والعمل على كيفية تعزيزها.